top of page
Search
  • Writer's pictureSaba Almubaslat

أتحلّل من كل الكون لأكون

جَلَسَت على أرض مملكتها في وضعيّة ما بين السّجدة والسّجدة... عارية متجرّدة بالمطلق من أسمال الدنيا... لا يغطيها إلّا رقيق جلدها وبقايا أنوثة... تكاد تذوب الأكوان في هالات الجلال التي تحيط بها... صامتة بالمطلق تضج بالأفكار... تتنفس الهوينا الهوينا... وكأنها تخشى على خشوع كينونتها من أن يخدشها بضع رعشات تعكر صفو قدسيتها ما إن أَخَذت من الأنفاس ما ليس للهواء من حولها طاقة له... مغلّفة بعتم الليل الذي كبُر في مملكتها فالتهَمَ النّهار، تجلس هناك تستحضر القمر... تنتظر لنوره أن يُغرِق كيانها لتستحمّ من الوجع والخذلان... من الفقد وعدم القدرة على النسيان... من هذا وهذا وذاك... تختبئ خلف جفنيها... تحبس فيضا من حزن وغضب...


تتنهد... تهتز صفحات السماء المعتمة لتنفتق فتلد القمر... تتنهد أكثر... فتدب في القمر الحياة...تتنهد أكثر... فيستدير القمر ويكتمل ويمسي شلال نور... ترفع الرأس... تفتح العينين... تنظر إليه... فيَبكيها نورا وتضيئه دموعها... يُغدق عليها من لجينه... فتبكي أكثر، ولكن بصمت.... تلملم نوره بيدين ضمتهما كما لو كانت تستجلب الرضا والرحمة... تمسح بهما كل الجسد... تمشي عليه هذا الذي أتعبته الحياة وأنكرت عليه ما أنكرت، بيديها... يستوقفها جرح هنا وندب هناك فتتمهل وتطيل اللمس علّ في لجين القمر وناعم ملمس الأصابع شفاء... متعبة هي... لا تقوى على المتابعة... في استسلامها رحمة لها وفناء للخيال... في استسلامها موت الليل الطويل وميلادات القمر... في استسلامها نهايات الألم وحرقة النهايات الناقصة وولادة البدايات الميتة...


أنا أعلم عنها الكثير... مُذ وُلِدَت وأنا أراقبها... رافقتُ غرورها وانكساراتها... حملتها عندما نزفت ما سرى في شراينها من أمل... أمسكت بيدها وهي تحاول أن تلد حياة... رأيت الملحمية المضرجة بالسّهد وهي تلملم ما تناثر منها المرة تلو المرّة... لكنها الآن ما عادت تريد أن يراها أحد... سحبت يدها من يدي... أوصَدَت كل أبواب ممالكها لتعتكف... اعتَزَلَتني بعد أن ثبت لها وهن ما قَصَصتُ عليها من تراهات الغد الأفضل...


أنظر إليها... أعلم أنها لا تغتسل للتتطهر فتعود للحياة... هي تغتسل لتتحلل من كل وعودها للكون، فتتحرر من كل ما كان وتحال خيطا رفيعا من لجين... يخبو رويدا رويدا بعد أن تنتهي من خلق ما سيحويها من لا منتهٍ خارج حدود الهنا المتعب... هي تشد الرحال إلى حيث لا شيء... لا وعود... لا توقعات... لا خذلان... فقط هي وفراغ من سلام وصمت!




45 views0 comments

Recent Posts

See All
Post: Blog2_Post
bottom of page