Saba Almubaslat
العَيْشُ بِرَهْنِ المُؤَقَّت
Updated: Dec 27, 2022
يَغِيبُ البَعْضُ وَيَتْرِكُونَ لَنَا بَقَايَاهُمْ فِي المَكَان... يَتْرِكُونَ وَرَاءَهُمْ صَدَى كَلِمَاتٍ، وَبَعْضَ بَصَمَاتٍ عَلَى الأَسْطُحِ وَفَوْقَ الجَبِينِ، وَثَنَايَا غَيْر مُنْتَظَمَةٍ حَيْثُ جَلَسُوا وَتَجَاعِيدَ فَوْقَ وُجُوهِنَا المُتْعَبَة... يَتْرِكُونَ بَقِيَّةً فِي فُنْجَانِ قَهْوَةٍ لَمْ يَحْتَسُوهُ حَتَّى الرَّمَق الأَخِير، رُغْمَ أَنَّهُمْ غَادَرُوا بَعْدَ أَنْ رَشَفُوا مِنْ الوَقْتِ القَصِيرِ آخِرَ رَشْفَة! وَيَعِيشُ مَنْ شَهِدُوا قُدْسِيَّةَ حُضُورِهِمْ عَلَى مَا تَبَقَّى مِنْهُمْ... هُمُ المُنْتَظِرُونَ فِي الزَّمَانِ وَالمَكَانِ لِيَشْهَدُوا الحُضُورَ وَالرَّحِيلَ فَيَبْقَوا مُعَلَّقِينَ لَا يَبْرَحُونَ ذَاكِرَةَ الِّلقَاءَاتِ القَصِيرَة... يُدْرِكُ المُنْتَظِرُونَ البَاقُونَ بَعْدَ رَحِيلِ العَابِرِينَ كَمْ كَانُوا يَحْبِسُونَ الأَنْفَاسَ خَوْفَاً مِنَ انْقِضَاءِ الوَقْتِ بِشَكْلٍ أَسْرَع لَوْ أَنَّهُمْ تَجَرَّأُوا عَلَى تَنَفُّسِ الحُضُورِ المُقَدَّسِ مَلْءَ الصَّدْر... وَكَيْفَ كَانَت العُيُونُ مُعَلَّقَةً لَا تَجْرُؤُ عَلَى ارْتِكَابِ إِفْكَ الرَّمْشِ قَلَقَاً مِنْ ضَيَاعِ هُنَيْهَاتٍ مِنْ لَحْظَةٍ دُونَ ارْتِشَافِ الحُضُورِ القَصِير...
مَهْمَا طَالَ الوُجُودُ المُؤَقَّت، يَبْدُو قَصِيرَاً عِنْدَ انْقِضَائِه... يَتَوَقَّفُ العُمْرُ المُمْتَدُ بَيْنَ الِّلقَاءَاتِ القَصِيرَةِ رُغْمَ مُرُورِهِ السَّرِيعِ المُتَوَاتِر... يَتَوَقَّفُ رُغْمَ إِصْرَارِهِ عَلَى الحَرَكَةِ قُدُمَاً، وَذَلِكَ تَرَجِّيَاً بِأَلَّا يَمْضِي مِنْهُ الكَثِيرَ قَبْلَ اسْتِكْمَالِ فُنْجَان قَهْوَةٍ لَا زَال يَنْتِظِرُ أِنْ يُفْرِغَ قَلْبَه لِيَعُودَ فَيمْتَلِئ عَلَى طَاوِلَةِ الانْتِظَار... يَتَوَقَّفُ الزَّمَنُ عَلَى أَمَلِ العَوْدَةِ لِمُنْتَصَفِ جُمْلَةٍ عَالِقَةٍ... لِإِنْهَاءِ نِقَاشٍ عَابِرٍ لَمْ تَصِلْ جُمْلَتَهُ الأَخِيرَةِ لِنُقْطَةِ نِهَايَةِ السَّطْر... قَدْ تَكُونُ الحَقِيقَةُ غَيْرَ المُعْلَنَةِ هُوَ أَنَّنَا نُبْقِي بَعْضَ النِّقَاشَاتِ مُعَلَّقَةً لِنَغْوِي القَادِمَ مِنَ الوَقْتِ بِضُرُورَةِ خَلْقِ لِقَاءٍ قَادِمٍ لِاسْتكْمَالِ مَا لَمَ يُسْتَكْمَلَ بَعْد!
وَبَيْنَ المُؤَقَّتِ وَالمُؤَقَّت، نُحَاوِلُ الإِبُقَاءَ عَلَى التَّفَاصِيل الصَغِيرَةِ حَيَّة، عَلَّهَا تُعْطِينَا أَمَلَاً أَنَّ هَذِهِ البَقَايَا سَتَعُودُ فَتَكْتَمِلُ يَوَمَاً مَا، إِنْ كَانَ مَازَالَ مِنَ الأَيَّامِ قَادِم! وَأَنَّ بَصَمَات الأَصَابِع عَلَى الأَسْطُحِ سَتَنْهَضُ يَوْمَاً مِنْ عَبَثِيَّةِ انْتِشَارِهَا الأَصَمّ لِتَنْبُضَ وُجُودَاً... نَبْقَى نَجْتَرُّ التَّفَاصِيلَ بَيْنَ المُؤَقَّتِ وَالمُؤَقَّت، لِلْبَقَاءِ عَلَى قَيْدِ أَمَلٍ مَا، أَنَّ هَذَا المُؤَقَّتَ مَا هُوَ إِلَّا حَالَةٌ تَسْبِقُ مُؤَقَّتَاً أَكْثَر امْتِلَاءَاً... أَكْثَر امْتِدَادَاً... أَكْثَر سَخَاءَاً مِنْ سَابِقَاتِهِ فِي كَمِّ مَا سَيَتْرِكُ فِينَا وَعَلَيْنَا مِنْ تَفَاصِيل...
العَيْشُ كُلُّهُ حُكْمُ مُؤَقَّت... وَمَا نُلَمْلِمْهُ مِنْ مُتَنَاثِرَاتِ المُؤَقَّت الكَامِلِ النَّاضِجِ المُحَمَّل بِكُلِّ شُعُورٍ وَنَقِيضِهِ، يَغْدُو عِنْدَ انْتِهَاءِ الخَطِّ هُوَ مُمْتَدُّ العُمُرِ القَصِيرِ مِنْ مُجْمَلِ عَبَثِيَّةِ العَيْشِ الَّذِي نَعُدُّهُ سِنِينَ تَمُرُّ لَكِنْ لَا تُعَاش! إِلَى أَنْ يَحِينَ التَّالِي مِنْ المُؤَقَّت، لَا يَكُون أَمَامَنَا إِلَّا أَنْ نَقْبِضَ عَلَى مَا تَبَقَّى بِقَصْدٍ أَوْ دُونَ قَصْدٍ مِنْ مُتَنَاثِرِ تَفَاصِيلَ المُؤَقَّتِ السَّابِق... قَدْ تُبْقِينَا مُكْتَمِلِينَ فِي نَاقِصِ الانْتِظَارِ، لِنَعُودَ فَنَكْتَمِلُ انْتِشَاءَاً إِذَا مَا كُتِبَ لَنَا اسْتِرَاق لَحَظَاتٍ قَادِمَةٍ إِمَّا حَقِيقَةً أَوْ حُلُمَاً عَابِر... إِلَى أَنْ يَحِين التَّالِي مِنَ المُؤَقَّت، لِنَمْضِي بِهُدُوءٍ شَدِيدٍ وَلِنُبْطِئَ التَّنَفُّسَ حَدَّ التَّوَقُّفِ عَنْه، عَلَّنَا بِذَلِكَ نَسْتَهْلِكُ مِنْ ذَوَاتِنَا أَقَلَّ قَدْرٍ مُسْتَطَاعٍ، فَنُبْقِي عَلَيْهَا حَيَّةً أَطْوَلَ مِنْ عُمْرِهَا، فَنَهَبَهَا لِلتَّالِي مِنْ قَصِيرِ وَقْت... نَهَبَهَا قُرْبَانَاً لِحُلُمٍ قَادِمٍ بِحَجْمِ حَيَاة، وَلِمُؤَقَّتٍ قَدْ يَكُونُ أَطْولُ مِنْ سَابِقَاتِه... وَنَبْقَى نَمْضِي عَلَى أَمَلِ مَا سَيَأْتِي مِنْ قَلِيلٍ كَثِير!
