Saba Almubaslat
بَشَرٌ وفَكّ رَقَبَةٍ وَ عِتْق
Updated: Aug 26, 2022
تُلِحّ علينا الأحداث أحيانا لنتوقّف عن الركض إلى الأمام أو هرباً مِنّا... لِنأخذ من الوقت القليل الذي نحن فيه، هُنَيْهة تطول وتمتد لِتُعادل من العمر ما ماضى. نحن نجد في تلك الهنية حاجة ماسّة لتصفّحِ كلّ الوجوه التي اقتربنا منها يوماً، في محاولةٍ منّا لِإعادة قراءتها وما علاها من ملامح… حاجة للنظر في العيون… لتلمّس ما تركنا من ذكريات بحلوها ومُرّها… لقِراءة كفّها، وكَأنّا بذلك نُعيدُ المشي للخلف بروايتنا معاً وما كان لنا من ماض مضى وانقضى. نفعل ذلك إِدراكاً مِنّا أنّا و إن كنّا قد عِشنا معهم عمراً، إلّا أَنّا ما عرفناهم أبداً… أو أنّهم قد تغيّروا، أو أنّا قد تغيّرنا. باتوا ثقلاً يبطئ خُطانا وبِتنا لهم هَمّا يمنعهم من التنفس.
تدفعُنا هذه الهنيهة إلى إعادة التقييم، فنُسقِط من البشر ما نُسقِط، ونمضي بقليل جداً منهم إلى الآن! نُراجع أين عسانا نكون أخطأنا؟ كيف وصلنا إلى حيث نحن! ومع كل بشري يسقط عن الكاهل، أو ما تبقّى منه من خيالات، نُدرك أنّ الثّقل كان متبادلاً، وأن الخطأ كان مشتركا… لكنّا حملنا بعضنا بعضاً وزراً على وِزر… أنّا كما حملناهم ثقلا وبؤساً، هُم أيضاً فعلوا. مع تخفّفِنا منهم، هُم أيضاً يتحلّلُون، فيمشي كلانا بخفّةٍ أكثر.
ما يهمّ هو أن نملك من الشجاعة ما يكفي لنقول كفى… أن نبدأ بفعل التحلّل من ثقل ما وجب… وأن نملك من الرحمة ما يكفي لنسامح قبل أن نمضي دونهم. ما يهم هو أنْ نتحلّى ببعض اتّساعٍ يسمح لنا أن نقرأَ في أكُفّهم جميل ما رسمته الرّواية، ليس فقط ما حفرته من جراح ووجع. هكذا، لا يكون منك أن تُسقِطهم أرضاً ليتناثروا كِسراً من ذكريات، بل تَعتِقَهُم وذكراهم بِفَكّ القيد عن الرّقَبة حُنُوّا… ومع كلّ قيد تُزِيل، تَجدكَ تتنفس أكثر… تنتصب بعد أن رضخت تحت وطء ثقيل الذكرى والأسى… وتجدَهُم كذلك يتمطّؤون ، يفردون ذكراهم و كواهلهم بعد أن كانت مُكبّلة بك… على أحدنا أن يملك من الشجاعة ما يلزم ليقول كفى!
ليتحرّروا ويذهبوا بسلامٍ أكثر خفّة… لينْعتِقوا بحب… ليُمضُوا ما تبقى لهم من درب، وليكن قادمهم لهم دون عبء الذكرى …وليكن ما تبقّى منكَ لك… واسِعاً ممتدّاً باتساع التنفّس بعد طول اختناق!
