top of page
Search
  • Writer's pictureSaba Almubaslat

بَعْضٌ مِنْ ِصْدق

Updated: Apr 11


قد تعلم أنَّك كَبرتَ في العمر، عندما تفقد القدرة على الكذب بداعي التَّجمُّل أو من باب أنَّه "اللي برضى بعيش"! عندما لا تعود قادراً أن تتعايش مع أنصاف الحلول وشبه الحقيقة وأقرب ما يكون إلى السَّعادة، فلِتعلَم أنَّك كبرت! وعندما أقول كبرت، لا أعني بالضُّرورة عمراً فالبعض يعيش العمر كلّه ويموت صغيراً. أنا أعني أن الحياة قد أرَتْك ما أرَتْك... أنَّك لم تعد تُسْكِت صوتكَ الدَّاخلي... أنَّك ابتدأت تُصدِقَ نفسك الحديث، حتَّى لو كان بصمت.


تربَّينا على ادِّعاءاتٍ قيل لنا إنْ عشنا بحُكْمها سَعِدنا... الِّلي بِرْضَى بِعِيش... لا تهز مركب ساير... إلبس لغيرك... خلِّيها جُوَّا تِسْطَح ولا بَرَّا تِفْضَح... إمشي الحيط الحيط وقول يا رب السَّتْر... و يَالَ هوْل هذه الادِّعاءات! إنْ نحن أتْقنَّاها، أتقَنَّا الكَذِب على أنفسنا، وتَبَاهَيْنَا به مُرَدِّدِينَهُ ألف ألف مرَّة حتى نصدِّقه، وإنْ خَلُد الواحد مِنَّا إلى ذاته اكتشف مدى عُمق غربته عن نفسه. تَتُوه الحقيقة بين ألوان طيفٍ نُسقِطها على كلِّ ما نرفض فينا وفي حياتنا حتَّى نجمِّله، لنقبله ونتعايش معه حتى نصدِّقه! في النهاية لا يكون مِنَّا إلَّا أنْ نعيش نصف حياة، ونكون نصف سعداء فنمسي أنصاف بشر!


لو أنَّ الواحد مِنَّا عاش يوم صدقٍ مع ذاته، ماذا يرفض؟ ماذا يُغيِّر؟ على ما يثور؟ حتى لو مجازاً، ماذا نُغيِّر؟ ماذا يحدث إن نحن صَدَقْنَا يوماً وأَسقطْنا كلّ الادِّعاءات، فواجهنا ما لا يُرضينا بإصرارٍ ورفضناه، وهزَزْنا المركب حتى يغيِّر اتِّجاهه إلى حيث تريد الذَّات أن تصِل، ولبِسنا ما يريحنا و"بس"، وأخرجنا ما تفيض به نفوسنا صدقاً غيرَ آبهين إنْ هي فضَحَتْ أمام الغير وأراحت الذات... ذاتك أنت... أنت الذي تعيش مع نفسك، والتفتنا للحيط فضربناه بفأس الحقيقة وثرنا عليه فأسقطناه!!! ماذا سيحدث؟

دعونا نتخيَّل أنا مَلَكنا أنفسنا بحقٍ، وصَدَقْنَاها بحقٍ، وانتصرنا لها بحقٍ... ماذا سيحدث؟ سيرفضك الآخر وستقبل نفسك؟ سيتهامس عليك من حولك وتعيش مع ذاتك بصدق؟ سَيُشِيحُون النَّظر عنْك إذْ أنَّك أتيتَ مُنكرَ الصِّدق معهم، وتنظر في عمق ذاتك فتعرفها وتعرفك فتقبلها وتقبلك وتعيش معها بانسجام؟ هل هذا خطأ؟ هل هذا عيب، أم تُراهُ محرَّمٌ في الشَّرائع؟


عندما تكبر، وتفكِّر أنْ تثور على الأُطُر والادِّعاءات لِتَكْتَشف كم أنت ضعيفٌ مهزومٌ، لا يكون مِنْك إلَّا أنْ تصمت... تنسحب لداخلك خطوات كثيرة... تصمت! لا تعد قادراً على النِّفاق أو المجاملة أو التجمُّل... لكنَّك لستَ بقادرٍ أيضاً أن تنتصر لنفسك فتَصدُقَها! إن لمحتم حولكم أناساً توقفوا عن الكلام، واكتفوا بالنِّزْر اليَسِير مِنَ المقبول ليصنِّفوا أنَّهم لازالوا هنا، اعلموا أنَّهم كبروا... اعلموا أنَّهم فقدوا القدرة على التجمُّل وادِّعاء الرِّضى لكنَّهم أيْقَنوا الَّلاقدرة على الثَّورة... ينسحبون للدَّاخل... يعانقون الصَّمت كُلَّما أَمْكن، ويتوقَّفون عن المحاولة..

الرِّضى ليس أنْ تدَّعي القبول والقناعة لا تَحِلُّ مكان الاقتناع! من الأفضل أن نعيشَ مُشَكِّكِين بصدقٍ، نسأل ونُسَائِل ونبحث عَلَّنَا نَجِد إجابات تقرِّبنا لليقين على أن ندَّعِي الإيمان كذباً، ونكذب حتى نؤمن... من أبسط الحقوق أن نُصِرّ على حقِّنا الطَّبيعيّ في العيْش صِدقاً مع الذَّات، فلَوْ انْسَجَمَ كلُّ واحدٍ مِنَّا مع ذاته لكانت الأرض مكاناً أقلّ دُونِيَّة!


يعيش الواحد مِنَّا مرَّة ًواحدةً -أو هكذا قيل لي_ ويموت للأبد... إن كان الرضى هو أن نعيش نصف حياة، فلَعَلَّ في الموت ما هو أصدق!


تخيلوا لو يَصْدِق كلٌّ مِنَّا مع ذاته يوماً... يوماً واحداً فقط... حتَّى لو اكْتَشَفَ بعدها أنَّه سَيَصْمِت!



64 views1 comment

Recent Posts

See All
Post: Blog2_Post
bottom of page