Saba Almubaslat
سَامِحُوا خِفَّتَكُمْ
إِنْ رَأَوْكَ سَارِحَاً، سَأَلُوكَ فِيمَا تُفَكِّر؟ وَلِمَ تَحْمِلُ هَمَّ الدُّنْيَا فَوْقَ رَأْسِك؟؟ يُضْحِكُنِي هَذَا السُّؤَالُ وَلَكِنْ بِحُزْنٍ شَدِيدٍ وَاسْتِهْزَاءٍ يَكَادُ يَكُونُ أَشَد! وَكَأَنَّ حَمْلَ الْهَمِّ خَيَارٌ يَرْتَجِيهِ البَعْض! وَكَأَنَّ الْهَمَّ طُمُوحُ أَحَدِهِم، يَبْحَثُ عَنْهُ بِجِدِّيَّةٍ مُطْلَقَةٍ لِيَحْمِلَهُ بِثِقَلٍ مُطْلَقٍ، فَيُثْقِلُ خُطَاهُ وَهُوَ يَمْشِي دُرُوبَ الحَيَاةِ بِهِ مُخْتَارَاً مُخْتَالَاً!
يَسْأَلُونَكَ، لِمَ لَا تَضْحَكَ أَكْثَر؟ لِمَ الحُزْن؟ لِمَ لَا تَفْرَحَ أَكْثَر؟ وَيْحَكُمْ!!! كَيْفَ لَكُمْ أَنْ تَسْأَلُوا حَزِينَاً مَمْلُوءَاً بِدُمُوعِهِ وَآهَاتٍ كُثْرٍ "لِمَ لَا يَفْرَح"!! وَكَأَنَّ الرَّزْحَ تَحْتَ عِبْءِ الدَّمْعِ وَثِقَلِهَا خَيَار! وَكَأَنَّ امْتِلَاءَ العُيوُنِ بِالدَّمْعِ هُوَ أَمْرٌ يَسْتَجْدِيهِ مَنْ يَحْمِلَهَا! وَكَأَنَّ زَفْرَ الآهَاتِ عِوَضَاً عَنْ أَنْفَاسِ التَّخَفُّفِ مِنْ ثِقَلِ الحَيَاةِ هُوَ مَطْلَبٌ لِأَيٍّ مِنَّا!
كَيْفَ صِرْنَا لَا نَسْتَشْعِر كَمْ يَحْلُمُ المَهْمُومُونَ بِهَنَاءِ الخِفَّة! مَتَى تَغَافَلْنَا عَنْ أَنَّ الدَّمْعَ لَا يَفِيضُ مِنْ أَعْيُنِ الحُزْنِ لِيَرْوِي يَوْمَ ذَارِفَهَا؟ مَتَى صَارَ حُزْنُ الآخَرِينَ يُشْعِرُنَا بِالاسْتِغْرَابِ وَكَأَنَّهُ فِعْلٌ يَأْتُونَهُ بِمَلْءِ رَغْبَتِهِمْ فِي الحَياة... لِيُثِيرَ اشْمِئْزَازَ الفَرِحِينَ مِنَّا...
أَعِينُوا المُثْقَلِينَ بِهُمُومِهِمّ بِأَنْ تَتْرِكُوهُمْ يَمْضُونَ فِي الوُجُودِ مُكَلَّلِينَ بِهَالَةِ الحُزْنِ الّتِي هِيَ قُدْسِيَّتَهُمْ... اتْرُكُوا البَاكِينَ يَغْتَسِلُونَ مِنْ حُزْنِهِمْ بِمَاءِ الطُّهْرِ المُنْذَرِفِ مِنْ أَعْيُنِهِمْ عَلَّ اغْتِسَالَهُمْ يَغْفِرْ لَهُمْ مَا اعْتَرَاهُمْ مِنْ وَهَنٍ وَأَلَمٍ لِيَعْبُرَ بِهِمْ فِي نِهَايَةِ المَطَافِ إِلَى فُسْحَةِ الفَرَح...
وِإِنِ ابْتَسَمُوا لَكُمْ... إِنْ ضَحِكُوا وَأَنْتُمْ تَمُرُّونَ بِهِمْ، فَلَا تُخْطِئُوا تِلْكَ الابْتِسَامَاتِ بَأَنَّهُمْ أَتَمُّوا الحُكْمَ عَلَيْهِمْ بِالحُزْنِ وَأَنَّهُمْ عَبَرُوا لِفُسْحَةِ الفَرَح! طُوبَى لَهُمْ هَؤُلَاءِ الضَّاحِكُونَ وَفِي قُلُوبِهِمْ سِنِينَ حُزْنٍ وَشِتَاءَاتِ دُمُوع... طُوبَى لِوُجُوهِهِم الَّتِي لَازَالَتْ قَادِرَةً أَنْ تَطْرَحَ لَاحَةَ ابْتِسَامَةٍ رُغْمَ مَا عَاشُوهُ مِنْ قَحْلِ الحُبِّ وَالفَرَح... هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَشْقَتْهُمْ الحَيَاةُ مَشْيَاً وَوُقُوعَاً وَاسْتِمْرَارَاً رُغٌمَ الوَجَع...أَفْسِحُوا لَهُمُ الطَّرِيقَ لِيُتَابِعُوا السَّيْرَ نَحْوَ خَيْطِ الضُّوء... انْحَنُوا لَهُمْ بَخُشُوعٍ وَمَحَبَّة... وَاعْذُرُوا فَرَحَكُمْ وَسَامِحُوا خِفَّتَكُمْ وَأَنْتُمْ تُنَاظِرُونَ أَلَمَهَمْ بِخَجَل... هَؤُلَاء هُمْ مَنْ قَرَّرُوا العَيْشَ رُغْمَ بُخْلِ الَّلحَظَاتِ السَّعِيدَة... هُمْ مَنْ قَرَّرُوا أَنْ يَسْتَمِرُّوا رُغْمَ تَكَسُّرِ الأَطْرَاف وَانْحِنَاءِ الكَوَاهِلَ مِنْ ثِقَلِ مَا أُلْقِيَ عَلَيْهَا وَإِلَيْهَا... هَؤُلَاء يَا سَادَة هُمْ مَنْ يُصِرُّونَ عَلَى العَيْشِ رُغْمَ أَنَّ الحَيَاةَ لَمْ تُحَالِفْهُمْ بَعْدْ!
