top of page
Search
  • Writer's pictureSaba Almubaslat

سَفْسَطَةٌ لَيْسَ إِلَّا

دَوَائِرُ التَّفْكِيرِ الَّلامُنْتَهِيَةِ تَبْدُو لِمَنْ يُنَاظِرُ صَاحِبَهَا مِنَ الخَارِجِ وَكَأَنَّهَا غَيْرُ مَوْجُودَة... لَيْسَ هُنَاكَ مَا يُدَلِّلُ عَلَيْهَا... لَا تُرَى، لَا تُلْمَس، لَا تُسْمَع!!! مِنَ السَّهْلِ أَنْ نَجِدَ المُنشَغِل بِهَا أَيْمَا انْشِغَال وَكَأَنَّهُ مُفْرِطٌ فِي الَّلاحِرَاك... هَلْ هُوَ حَقَّاً خَامِلٌ مُعَطَّل؟ عَلَى العَكْس! يَكُونُ هَذَا الَّلامُتَحَرِّك الغَارِق فِي التَّفْكِيرِ الأَكْثَر نَشَاطَاً، حَيْثُ يَغْرَقُ فِي حِرَاكٍ فِكْرِيٍّ لا مَرْئِيٍّ يَتَطَلَّبُ مِنْهُ سَبْرَ غَوْرِ الدَّاخِل الَّذِي لَا يَرَاهُ حَتَّى صَاحِبِه... يَكَادُ يَكُونُ هَذَا المُسْتَغْرِقُ بِالتَّفْكِيرِ الأَقَلَّ عُزْلَةً فِي وِحْدَتِه... هُوَ عَلَى عَكْسِ كُلِّ المُتَحَرِّكِينَ بِشَكْلٍ أَدَاتِيٍّ، يُعْمِلُ العَقْلَ لِتَخْلِيقِ فِكْرَةٍ أَوْ فِكْرٍ جَدِيدٍ يُولَدُ مِمَّا سَبَق أَوْ يُعَمِّق مَا كَانَ مِنْ فِكْرٍ أَصْلَاً أَمَلَاً بِالوُصُولِ لِحَقِيقَةٍ وَإِعْطَائِهَا مَعْنَاً!




لَكِنَّنَا وَفِي زَمَنِ اسْتِهْلَاكِ الوَقْت وَالإِنْسَان، صِرْنَا نُؤْمِنُ أَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ الحَدِيث عَنْهُ يَجِبُ إِسْكَاتهُ، بَلْ حَتَّى صَلْبَهُ لِيَمُوتَ بِبُطْءٍ مُؤْلِمٍ... وَأَنَّ مَا لَا يُرَى لَا يُوجَد... مِمَّا يَعْنِي -وَهُنَا أَنَا أَعْتَقِد- أَنَّ مَا يُوجَد مِنَّا هُوَ البَالِي... هُوَ الجَسَد، وَأَسْمَال تَسْتُرْهُ حَتَّى نَتَأَكَّدَ أَنَّ مَا يُرَى لَا يُرَى وَيُسْتَتَر... وَهُنَا تَتَشَابَه الأَبْدَان، لَا يَمِيزُهَا إَلَّا انْتِصَابَ قَوَامهَا، أَوْ نَضَارَتهَا مِنْ هَرَمِهَا، أَوْ نَظَافَتهَا مِنْ قَذَارَتهَا -مَجَازَاً أَوْ فِعْلَاً- أَوْ غَالِي ثِيَابهَا مِنْ مُهْتَرِئِهَا!!




ضَيَّعْنَا بِخَيَارٍ جَوْهَرَ الإِنْسَانِ، فَصَارَ بَشَرِيَّاً لَيْسَ إِلَّا، وَسَخَّفْنَا المَشَاعِرَ وَالأَحَاسِيسَ وَالعُمْق وَالفِكْر وَالعُزْلَة المُقَدَّسَة، فَصِرْنَا سِلْعَةً تَسْتَهْلِكُهَا الحَرَكَةُ الدَّائِمَةُ الَّتِي نَبْتَغِي مِنْهَا التَّظَاهُرَ بِاشْتِغَالِنَا، لِنُؤَكِّدَ عَلَى أَنَّ لِوُجُودِنَا هَدَف! صِرْنَا نَسْعَى بِكُلِّ مَاأُوتِينَا مِنْ وُجُودٍ مَادِّيٍّ، أَنْ نَكُونَ مَحَلّ مُشَاهَدَة، وِصِرْنَا نَفْتَعِلُ رَدَّ الفِعْلِ لِنَجْمَعَ حَوْلَنَا مُتَفَرِّجِين. صَارُوا هُمْ مَنْ يُؤَكِّدُونَ لَنَا أنَّا مَوْجُودُونَ وَأَنَّ لِهَذَا الوُجُود مُتَحَقَّقٌ فِي عُيونِ مَنْ لَا يَهُمُّنَا وَلَا يَهُمُّهُمْ مِنْ أَمْرِنَا شَيئَا. نَحْنُ نَخْتَفِي بِأَعْيُنِ ذَوَاتِنَا غَيْر الوَاعِيَةِ، الَّتِي أَنْكَرْنَا بِخَيَارٍ، بِمُجَرَّدِ أَنْ يَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِنَا... صِرْنَا نَبْذِلُ كُلَّ مَا فِي وسْعِنَا لِلْهَرَبِ لِلْخَارِج. لَوْ أَمْكَنَنَا لَدَفَنَّا تِلْكَ الذَّوَات التِي نَخْشَى الجُلُوسَ إِلَيْهَا حَتَّى لَا يَصْدِمنَا حَقِيقَة الَّلامَعْرِفَة لِهَذِهِ الذَّوَات.




إِنَّنَا لَا نَسْتَطِيع الهُرُوبَ مِنْ الذَّاتِ إِلَّا فِي الذَّات... رَكْضُنَا المُفْرِط إِلَى كُلِّ مَا هُوَ لَيْسَ ذَوَاتِنَا... إِلَى كُلِّمَا يُحِيطُ بِنَا... مَا هُوَ إِلَّا مُحَاوَلَة مُسْتَمِيتَة لِتَجَنُّبِ اتِّخَاذ الخُطْوة الأُولَى لِدَوَاخِلِنَا وَتِلْكَ الذَّوات المَجْهُولَة الَّتِي نَحْبِسهَا مُقَيَّدَة بِالمَوْتِ فِينَا وَنَخْشَى كَمْ سَتَنْقُدْنَا وَتَنْقُضْنَا إِنْ نَحْنُ اخْتَرْنَا أَنْ نَعُودَ إِلَيْهَا! وَإِنْ عُدْنَا بَعْدَ طُولِ هُرُوبٍ، قَدْ يُخِيفنَا كَمْ يَتَعَذَّرَ أَنْ نُوَصِّفَ بِالكَلِمَاتِ الفِكْرَ الَّذِي قَدْ يَجْرُؤ عَلَى التَّشَكُّلِ فِيها أَوْ الأَحَاسِيس وَالمَشَاعِر الَّتِي قَدْ تَتَطَاوَل عَلَى مَادِّيَّتنَا فَتَجْعَلنَا مَعَاذَ الله أَكْثَرَ إِنْسَانِيَّة! فَجْوَةٌ كَبِيرَةٌ بَيْنَ هَذِهِ الكَلِمَات وَمَا يَسَتَطِيع العَالَم المُتَحَرِّك حَدَّ البَلَاهَةِ مِنْ حَوْلِنَا أَنْ يَفْهَمَ أوْ يَقْبَل. وَلِأَنَّنَا نَعْتَقِد جَازِمِين أنَّا لَا نَتَحَقَّقَ لِلرَّائِيينَ المَاِرقِينَ إلَّا إِنْ أَصَدَرْنَا مِنَ الكَلِمَاتِ فِي أَصْوَاتٍ لَا مَعْنَى لَهَا مِمَّا يَقْبَلُون، نُؤْثِر الاكتِفَاءَ بِإِصْدَار مُبْهَمِ الأصوات!!!




كُلَّمَا اقْتَرَبْنَا مِنَّا، نَعُودُ نَفِرُّ بِسُرْعَةٍ مِنَ الذَّاتِ لِلْعَالَمِ مِنْ حَوْلِنَا. نَقْبَلُ بِبَلَاهَةٍ مُؤْلِمَةٍ أَنْ نَكُونَ أَيٌّ مِنْ أَوْ مَايُرِيد المُحِيط لنُقبَلَ فَنَتَحَقَّقُ -وَهْمَاً- عَلَى أَنْ نَصْمِتَ بِاتِّسَاقٍ مَعَ ذَوَاتِنَا فَنَكُون حَقَّاً مَنْ نَحْنُ- بِعُزْلَة!


K


142 views0 comments

Recent Posts

See All
Post: Blog2_Post
bottom of page