Saba Almubaslat
سَلَامٌ لَكُم... سَلَامٌ عَلَيْكُم
Updated: Feb 13
عندما تبدأ الأصوات في الخُفُوت رويداً رويداً تحت الرُّكام... عندما يموت الرَّضيع في مهده نائماً ولا والدة تغنِّي له وهو يزفُّ إلى السَّماء، لأنَّها هي الأُخرى غادرت دون أن تتعطَّر وتتكحَّل تحت ويل وثقل الحجارة والذِّكريات... عندما تهوي المدارس المتهالكة أصلاً فوق أدراج الطَّلبة، ساحقةً كتبهم والقادم من أيَّامهم، وما تركوه لليوم التَّالي من بقايا ألعاب في الزَّوايا وأحجياتٍ لم تُحل، ومحولة كل أقلام التَّلوين للَّون الأسود... عند هذا وأكثر، يجب على العالم أن يتوقَّف عن الدَّوران... عند هذا، يصبح لزاماً علينا أن نقبض قلوبنا بأيدينا، ونقتلع ألسنتنا لندَّعي الخَرَسَ صادقين، فنصمت عن الظُّلم دون حساب ضمير... هذا إذا ما كنَّا قد ابتُلينا بداء الضَّمير، لكن والحمد للَّه كلّنا منه برِئْنا!!!
تسقط الأقنعة، فلا يعود من مكان لادِّعاء الفضيلة... تتشظَّى العدالة، فحتَّى في البؤس والأسى يبدو ألَّا عدالة في التَّوزيع! الهَمُّ يُصيب البعض أكثر من غيرهم، والفَقْد يسكن دياراً أكثر من غيرها، كما الغِنَى والفرح يسكن أناساً أكثر من غيرهم!
لماذا الموت والبكاء يَسْتعْذِبان أرضاً أكثر من غيرها؟ لم كلُّ هذا الحزن يسكن دائماً لهذه البقعة فلا يغادر؟ هل يا تُرى يَسْتَحْلِي الحزن تسلُّل الدُّموع من أعين أطفالنا ونساءنا أكثر من غيرهم؟ هذا الحزن السَّاكن فينا وحولنا يختار التسلُّل للكرْمَة والأرجوحة في بلادنا فيُزلْزِل أرضها تارةً ويُبِيح للظَّالمين أن يفجِّروا سَمَاءاتها تارات أكثر... والنَّاس فوقها مضرُوبون، مقهوُرون، مقتولُون أحياء وأموات ثَكْلَى مَحْزُونُون، مهما حاولوا خِداع الحزن وادِّعاء الفرح خجلًا بين الموت والموت...
يا أرضاً نزل إليها وبها كلُّ أنبياء السَّماء، ولازالت تدفع كفَّارة لما أَفَكَ الفاسدون فيها، مع أنهم قلَّة والأكثريَّة الأكثريَّة عابدون ناسكون يسكنون للزيتون والدَّحْنون والَّريحان و الزَّعتر... كم تَعِبت هذه الأرض! كم تعب من تعثَّر به القدر فُولد منها ومات دون أن يعيش يوماً بهياً عليها!!
موتوا بسلام... ارقدوا تحت أنقاض بيوت بنيتموها رغم كل القهر من ابتسامات صغارٍ لم يحلموا، وذكريات كبارٍ دفنهم الزَّمن غدراً دون قبرٍ أو شاهد... ارقدوا تحت أنقاض غدٍ وعدكم بالمجيء محمَّلاً بالفرح والورود ولم يأت قط! تسلَّلوا من شقوق الأرض التي خُسِفَت تحت وطْءِ ثقل مأساتكم علَّكم تجدون حياة في بواطنها عجز سطحها أن يهبها لكم... توحَّدوا مع حجارتها، علَّ من يأتون بعدكم يَرجُمون الظُّلم بكم...
وليمضِ الباقون غير آبهين لوجعكم... يوماً ما، سيحضرون إليكم بعد أن يجد الموت طريقهم لحيواتهم الطويلة الفارهة البائسة... عندها، لا تفتحوا البوَّابات لهم! اتركوا كلَّ من لم يَرَاكُم وأنتم تحاربون الموت كلّ لحظة حبَّاً في الحياة... اتركوهم عالقون بين اللَّامكان واللَّامكان... صُدُّوا في وجوههم الأبواب إلى المستقر، وليبقوا في موتهم تائهون لا يجدون مرقداً...
لكم سلام... لكم سلام... لكم سلام...
