Saba Almubaslat
صَمْتٌ وسُكُون
وَنَبْقَى نَخْلِطُ بَيْنَ الصّمْتِ وَالسّكُون!!! نَظُنُّ خَطَأً أَنَّهُمَا مُتَرَادِفَان. لَيْسَا كَذَلِكَ أَبَدَاً...
الصَّمْتُ حَالَةٌ مِنْ عَجْزِ المُفْرَدَات... هِيَ حَالَةٌ نَعِيشُهَا عِنْدَمَا لَا يَعُوُدُ هَنَاكَ مَا يُقَال... عِنْدَمَا نَفْقِدُ القُدْرَةَ عَلَى تَشْكِيلِ المُفْرَدَاتِ لِنُوَصِّفَ مَا يَعْتَمِلُ فِي دَوَاخِلِنَا. الصَّمْتُ نَلْجَأُ إِلَيْهِ اخْتِبَاءً مِنْ كُلِّ شَيْء، هَرَبَاً مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، عَلَّكَ تَنْجَح فِي لَمْلَمَةِ ما تَنَاثَرَ مِنْكَ وَأَنْتَ تَائِهٌ تُحَاوِلُ الوُصُول. الصَّمْتُ هُوَ مَخْبَأٌ نَحْتَمِي بِهِ ونَأْوِي إِلَيْهِ لِنَجِدَ فِي ضِيِقِهِ اتِّسَاعَاً... لِيَحْمِينَا مِنْ ضِيقِ الاتِّسَاعِ فِي الحَيَاة. الصَّمْتُ مَوْتٌ بَطِيءٌ نُقِرُّ مِنْ خِلَالِهِ أنَّ مُحَاوَلَاتنَا فِي أَنْ نَنْسِجَ قَلِيلاً مِنَّا بِكَثِيرٍ مِمَّنْ ومَا حَوْلنَا، لِنَتَّصِلَ فَنُصْبِحُ مِنَ الكُلِّ جُزْءاً، قَدْ بَاءَتْ بِالفَشَل.... لَيْسَ لِسَبَبٍ إِلَّا لِأَنَّا لَا نَعْرِفُ كَيْفَ نَخِيطُ ذَاتَنَا المُتْعَبَةِ بِثَنَايَا مَنْ ومَا هُوَ حَوْلَنَا... أَوْ لِأَنَّنَا قَدْ عِشْنَا مِنَ العُمرِ طَوِيلَاً وَبِتْنَا هَرِمِي الذَّوَات لِدَرَجَةٍ نَخْشَى مَعَهَا أَنَّا صِرْنَا غَيْرُ قَابِلِينَ لِتَعَلُّمِ فَنَّ النَّسْج!
أَمَّا السُّكُون فَهُوَ حَالَةٌ مِنَ النَّشْوَة... هُوَ حَالَةٌ مِنْ عَوْدَةِ الوَاحِدِ مِنَّا لِذَاتِهِ بَعْدَ أَنْ اقْتَرَبَ إِلَى مَنْ أَوْ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَجْعَلَنَا أَكْثَر اكْتِمَالَاً بَعْدَ نَقْصٍ مُزْمِنٍ عُضَال! السُّكُونُ هُوَ أَنْ تَعَودَ لِذَاتِكَ أَكْثَرَ اتِّسَاقَاً وَارْتِيَاحَاً وَحُنُوَّاً بَعْدَ أَنْ تَكَامَلْتَ فَوَصَلْتَ بَعْدَ طُولِ تِرْحَالٍ بَيْنَ البَحْثِ وَالوَجْدِ وَالفَقْد... السُّكُونُ هُوَ تَنَفُّسٌ عَمِيقٌ بَعْدَ طُولِ اخْتِنَاق... هُوَ نَوْمٌ هَنِيءٌ عَمِيقٌ يَصِلُ بِكَ لِمَكَانٍ تَنْسِجُ فِيهَا الأَحْلَام تَفَاصِيلَهَا فَتَعْرِضُ نَفْسَهَا عَلَيكَ بِحُّب... هُوَ دِفْءٌ يَتَسَلَّلُ لِتَفَاصِيلِ اليَوْمِ وَثَنَايَا الجَسَدِ بَعْدَ أَنْ أَنْهَكْهُمَا بَرْدَ الوِحْدَةِ وَثِقَلَ الخُطَى وَجَفَافَ الخَيَال.
أَنْ تَتَرَحَّلَ فَتَتُوهَ فَتُوجَدَ فَتَجِدَ فَتَصِلَ وَتَسْكُن، لَهُوَ حَيَاةٌ كَامِلَة... حَيَاةٌ بَحَثْتَ عَنْهَا طَوَالَ العُمْرِ، فَوَجَدْتَهَا لِتَنْعَمَ بِسُكُونٍ مُحَمَّلٍ بِالسَّلاَمِ مَا تَبَقَّى مِنَ الحَيَاة... وَهَذَا البَاقِي، قَصُرَ أَمْ قَصُرَ، يَطُولُ لِيُصْبِحَ أَكْثَرَ امْتِدَادَاً مِنْ كُلِّ مَا مَضَى...
طُوبَى لِمَنْ بَحَثُوا فَوَجَدُوا فَسَكَنُوا...
