Saba Almubaslat
كِشْ مَلِك
حتى وقت قريب، كان الخط بين الميلاد والممات بالنسبة لي هو الواضح الوحيد... أُدرك جيدا أنّا نأتي فُرادى... ونرحل فُرادى... الحقيقة أنّا نعيش نموت ألف ألف مرة ومهما تكاثرنا أو اقتربنا أو ابتعدنا نبقى فرادى... هذا الاحتياج البشري المُلِحّ لِأن تكون جزءاً من شيء... أن تُحضِر للحياة، أو تستحضر في الحياة، حيوات يصبحون في وجودهم نافذة على وجود جديد، ما هو إلّا وهْم! أنت في الحقيقة أنت فقط... كل ما هو سواك هو ذاته... قد يتقاطع معك بشكل أو بآخر... قد يتواصل وبعضك مدفوعاً باحتياج أو رغبة أو أيّاً كان الدافع... لكنه أبدا لا يتصل بك...
أنت تأتي وحيداً... تعيش وحيداً وتغادر وحيداً دونما حتى فرصة لإنهاء القصة. هذه القصة نتوهّم أنّا نكتبها أحيانا. في حقيقة الأمر، هي من يكتبنا. قد يتسلل الكِبَر إلى نفوسنا. نظن أنا نمسك كل خيوط اللعبة، أو بعضها... نحركها ونؤلفها و نُشكّلها أحداثا وتراتبيا... أزمنة وأماكن! كم نحن واهمون! ليس في يدينا من خيوطها شيء... وهنا تكمن قوتها وهزلية مانؤمن زيفا! نحن اللعبة لكِنّا وللإبقاء علينا كأداة حية للتسلية، نُمنَحُ خيوط هشة للعبة أصغر تحدث في زاوية ميتة من هذاالوجود العبثي. يُرَاد لنا أن نؤمن جازمين بأنّا من يحركها.. يراد لنا أن ننسى صغرنا المتناهي. نختلق لذواتنا وجودا غير متّصلٍ برَحِبِ اللامتحكم فيه، ونبدأ بلعب دور الآلهة التي صنعناها بأيدينا.
ليس من أمرنا شيئا، أو هكذا يقولون. لدينا عقولا لكنها قد قُدّرَ لها قبل أن تكون مَن وماذا وكيف و لِما ستكون. يؤتى بنا دفعا لا طوعاً حتى نكون ما أُريد لنا أن نكون... اللعبة قد انتهت قبل أن نأتي... والنهايات قد حُسِمَت قبل أن نصلها. نأتي لنلعب دورا قد انتهى قبل أن يكون... لكننا وعلى الرغم من كل هذا وذاك نتحمل مسؤولية عبثنا ونحن نحاول أن نمشي دربا لا مخرج منها لِنَلعَب دورا قد عشناه وانقضى قبل أن نكونه...
ومع هذا وذاك، نبقى دائما نحاول تغيير النص المكتوب... كم نحن من السذاجة بمكان! نحن لا ندرك أن أي تغيير في النص ما هو إلا إعادة لكتابته كما كُتِب قبل أن نتعلم صف الحروف! لا مفر... أمامك واحد من خيارين... إما أن ترتدي وجهك و تمضي، أو أن تفتح باب الخروج من اللعبة... مهما مشيت بوجهك إلى الأمام، الباب دائما خلفك... بينك وبينه مد اليدوإرادة... السؤال... هل تملك الإرادة؟!
الإرادة لا يملكها إلا الأحرار... إذن السؤال... هل أنت حر؟ هل جئنا إلى الحياة أحرارا؟ كيف يمكن ذلك إن لم يكن لنا الحرية منذ فعل البداية؟ فعل المجيء!! المعضلة تكمن بأنّه ليس منا من هو حرّ في أن يقبل أو يرفض فعل البداية... الحياة! وعليه فهل يمكن لنا أن ندّعي امتلاك الإرادة؟ الإرادة بالتوقف والخروج من اللعبة، عندما يصبح التوقف عنها شيء تفرضه علينا الأخلاق والكرامة والعقل... يؤسفني أن أبلغك أنك في هذه اللعبة كما المؤدي الرديء على خشبة مسرح... مهما أيقنت سوء الأداء ستحاول أن تبقى واقفا على هذه الخشبة حتى تهبط بك لأسفل سافلين... أنت قد أدمنت الأضواء وصراخ المتفرجين حتى الحمقى منهم... ستستمر رغم عدم توافر الشروط الموضوعية للاستمرار! إذن إذهب وعش حتى تموت... فالحياة لا تمارس على أنّها شروط ملائمة ولكن على أنها التزام بلا شروط!!!
سئمت اللعبة واللاعبين… خيوط الوهم التي تمسك هذا الجسد الوهم باتت تتبخر مع وهج القهر… لم يبقى منها إلا خيط واحد فقط… خيط واحد فقط… رفيع كما الحقيقة… واهن كما الرغبة في الاستمرار… إما أن يكون هو ما يبقيني وإلا فلن أكون… خيطٌ واحد ما يفصل بين البقاء هاهنا وإلّا فإنه الانفلات من جاذبية الوهم إلى رحابة الغياب…
