Saba Almubaslat
هل من جديد؟!
تجدُ نفسَها دائماً في حالةٍ ممتدّة من التساؤل... تُحاول أن تَمضي بأمل... تَنظُر في اللّحظات ما بين الأحاديث المتناثرة على أمل أن تأتي التّاليات من الدقائق بفرح.. لكن كل دقيقة تمر تُناظِرَها أن انتظري تالِيَتي، فأنا لا أَحمِل لكِ أيّ جديد... لا تتوقف هي عن الأمل... تسامح الدقيقة العابرة وتتلو صلاتها برقص حانٍ على نغم الوقت، آملة أن تكون ما بعد هذه الدقيقة هي الوقت الذي يتّسع ليفتح لأملها نافذة يُطِلّ عليه للجديد القادم... وتمرّ الدقيقة تلو الدقيقة تلو تاليتها... ويعتري الزمن تعباً من كَثرة وَقعِ أقدامها الراقصة وأملها المتهالك...
هو الأمل... وحده وحلمٌ مُتقطّع في ليالٍ باردة يشحّ فيها النوم وتَتَقَطّع الرواية... تُحاول هي بين النوم وطُول السّهَاد أن تَخيط أطراف الحلم المتناثرة بخيطٍ واهنٍ من صورٍ لازالت تحملها في الذاكرة... من شِدّة ما استَرجَعَتها باتت الصور تَبهُت، يعلوها بصمات ليال طوال من كثرة اللمس والتحسّس على الرغم من رقته... وهي ذاتها من عاشت تلك الصور في يوم ما، يعتريها شكوك كثيرة... تُرى أيّ من هذه الصور عاشت وكم منها توهمت وكم منها خلقت لتردم الهوّة بين ما كان وما تشتهي؟ هي ذاتها تكاد لا تعلم لكنها مع ذلك لازالت تستذكر تلك الصور البهية الباهتة بأمل...
أَقترِبُ منها بصمت... أكاد لا أسمع صوت أنفاسها... أكاد لا ألحظ ارتفاع الصدر وانخفاضه أو دق القلب على جدار الصدر من بطيء تنفسها... وكأنها تخشى على الخيالات من أن تَجفَل إن هي تنفّسَت مَلء الصدر، فتذوي تلك الخيالات وتنسحب من ذاكرتها...
أُناظرها، أُشفِق على حالها... يُهيّأ لي وكأنها ستقضي نَحبَها بجرعةٍ زائدةٍ من أملٍ يبقيها حية لكنه يسلبها القدرة على التنفس ملء الوقت... ماذا أفعل؟ أأهُزّها بعنف حتى يتساقط وهم الأمل من مخيلتها، فتعود تعيش بيننا في عالم الأحياء المجردين من القدرة على الحلم والأمل؟ أم ترى في ذلك قسوة؟ أأمهلها من الوقت ليلة أخرى بكل ما فيها من دقائق علّها تكون الليلة التي تُولد فيها تلك الدقيقة التي تنتظر؟
ترى كم دقيقة في ليلها؟ هل هناك في عالمها ذات الوقت الذي في عالمي، أم ترى لحلمها وأملها مواقيت أخرى تضيف لليلها من الدقائق ما لا أدرك؟ لطالما تساءلت عن مرور الوقت.. أنظر كم تقاوم التسلل لعالم النيام فيهيأ لي أنها بذلك تحضر تعويذة تلقي فيها بوجه الليل ونومه ليمنحها من الوقت ما لا طاقة لنا عليه... وقت إضافي مستقطع ممتد، تسرقه هي من جفوننا عندما ننام، لتنسج منه شال حلم لا ينتهي... يلفها وما تحلم به فيغدو نسيجا من زمان ومكان، ترتحل إليه بين ثنايا الليل وتعيش فيه قصصا لا يعرف تفاصيلها إلا من ملكوا من السحر والتعاويذ ما ملكت...
بين الوهم والوجود... بين الخيال والواقع... بين الأمل والألم... هناك في تلك المنطقة البرزخية الساحرة حيث يمتد الليل ليعانق السهاد، تعيش هي كل القصة... ومع تسلل الشمس لصدر السماء... مع خطوط الضوء الأول تبدأ قصتها بالتبخر قطرة قطرة... تحال ندى يثقل وجه زهور الياسمين... ويسقط من فوق الوجنات الجافلة دمعا صامتا... ويبدأ النهار... يتبدد الحلم... وتمشي هي فوق وجه اليوم يُثقل جسدها العَطش يوم طويل يمشي بطيئا بانتظار الليل وتمشيه هي الهوينا الهوينا بانتظار أن تعود لأرض أحلامها، لتنثر ما تبقى من قليل أمل وتعود لتنسج حلمها وتلونه، تزينه بتفاصيل، بعضها عاشَته وكثيرها تتمناه... ترسم كل التفاصيل بألوان من سراب... تتفنن تبدع تتمنى تبتسم تنفخ في الحلم من روحها على أمل أن يعيشها فتعيشه أو حتى تكونه... تفعل هذا كله وأكثر مع أنها تعلم أنه ومع تسلل الشمس، سيعود الحلم ليتبخر... وستبكي زهور الياسمين بقاياه دمعا رقيقا... وستعود هي لتمضي فوق وجه يوم آخر، متعبة من كثرة الأمل وطول السهر وانتظار ما يبدو وكأنه دقيقة في زمن ما لن تأتي في هذا الزمن!