top of page
Search
  • Writer's pictureSaba Almubaslat

عَاصِفَةٌ مِنْ صَمْت


لَمْ تَسْتَطِعِ الكِتَابَةَ مُنْذُ بَعْضِ الوَقْت! وَكَأَنَّ الكَلِمَات قَدْ بَلِيَت... لَمْ تَعُدْ تَكْفِي لِتُوَصِّفَ مَا يَدُورُ وَيَعْتَمِلُ فِي الدَّوَاخِلَ مِنْ دَوَائِرَ غَيْر مُنْتَهِيَةٍ مِنَ الأَفْكَار... لَمْ يَعُدْ نَظْمُ الجُمَلِ القَصِيرَةِ المُتَنَاثِرَةِ المُنْفَصِلَةِ عَنْ بَعْضِهَا البَعْض بِنِقَاطٍ ثَلَاث وَكَأَنَّهَا أَنْفَاسٌ تَعِبَة... لَمْ يَعُدْ يَكْفِي... فَكَانَ الصَّمْت... لَيْسَ صَمْتُ العَاجِزِين... هُوَ صَمْتٌ مُحَمَّلٌ بِدَفْقٍ مِنْ الأَفْكَارِ وَالمَشَاعِرِ وَالحَالَةِ وَنَقِيضِهَا... صَمْتٌ يُرِيدُ أَنْ يَسْتَمِعَ إِلَيْهَا كُلّهَا... يُشَاهِدُهَا تَخُوضُ مَعْرَكَةَ وُجُودٍ بِخُشُوع... يَرْقَبُهَا وَكَأَنَّهَا أَمْسَتْ كُرَةَ صُوفٍ تَنَاثَرَتْ وتعقَّدَتْ، وَهِيَ تُحَاوِلُ إِعَادَةَ نَظْمِ حَالِهَا... فَكْفَكَةُ مَا تَدَاخَلَ وَتَعَقّدَ مِنْهَا، أَمَلَاً بِأَنْ تَعُودَ صَالِحَةً لِنَظْمِ نَسِيجٍ سَلِسٍ مِنْ جُمَلٍ فِي قِصَّةٍ مُمْتَدَّة...


تُمْسِكُ القَلَمَ كُلَّ يَوْم... تُحَاوِلُ أَنْ تَسْتَخْرِجَ مِنَ الرُّوحِ زَفَرَات مَا قَبْلَ الوِلَادَةِ أَوْ المَوْت... زَفَرَاتُ مَا قَبْلَ انْتِهَاءِ هَذِهِ الحَالَةُ المُرْهِقَة مِنَ الكَثِيرِ المُتَدَاخِل... الكَثِير الَّذِي يَعْلُو ضَجِيجُ كُلّ أَجْزَائِهِ، فَلَا يَعْدُو لَأَيِّ جُزْءٍ مِنْهُ صَوْتٌ يُسْمَع... لَكِنَّ الصَّمْتَ يُمْسِكُ بِالقَلَمِ عَنِ الوَرَقَة... وَكَأَنَّ حَالُهُ يَقُول، هِيَ لَمْ تَكْتَمِلْ بَعْد... كَأَنَّ الصَّمْتَ أَصْبَحَ يُؤْمِنُ بِسُوءِ الطَّالِع... كَأَنَّهُ صَارَ يَتَطَيَّرُ كَمَا فِي الجَاهِلِيَّة... يَخْشَى إِنْ هُوَ بَدَأَ فِي الكِتَابَةِ، أَنْ يَمَسَّ القِصَّةَ غَيْرُ النَّاضِجَةِ نَحْسٌ، فَتَمُوتُ قَبْلَ الاكْتِمَال... يَرْكَعُ القَلَمُ فَوْقَ مِحْرَابِ الوَرَقِ الطَّاهِرِ وَيَسْقُط... يَخُرُّ سَاجِدَاً... ثُمَّ يَرْتَمِي صَرِيَعَاً كَمَنْ يَنْتَظِرُ إِعَادَةَ بَعْث!


تَتَحَايَلُ عَلَيْهِ، هَذَا القَلَمُ الَّذِي عَصَى... هِيَ آخِرُ سَنَةٍ طَويِلَةٍ أَيُّهَا القَلَم... سَنَة مُحَمَّلَة ثَقِيلَة فِيهَا الكَثِيرُ لِيُرْوَى... فِيهَا أَمَل تَكَسَّر.. وَآخَرَ قَدْ وُلِد... فِيهَا أَنِينُ فَقْدٍ، وَدِفْءُ لِقَاءَاتٍ مُؤَقَّتَة... فِيهَا ارْتِحَال، وَانْتِقَال، وَحَزْم حَقَائِبَ وَفَضُّ أُخْرَى... فِيهَا أَجْسَاد أَوْدَعَتْهَا الأَرْض، وَأُخْرَى سَقَطَتْ مِنْ رَحِمِ الرُّوحِ قَبْلَ أَنْ تَنْمُو مَلَامِحَهَا، وَأُخْرَى شَكَّلَتْهَا هِيَ مِنْ سَرَابِ خَيَالَاتِهَا... فِيهَا كَوَابِيس كَثِيرَة خَنَقَتْ سَلَامَ مَنَامهَا وَبَعْضُ حُلُمٍ لَذِيذٍ تَسَلَّلَ عُنْوَةً لِيَقَظَتِهَا... فِيهَا هِيَ وَبَعْضهَا وَأَجْزَاءٌ مِنْ كُلِّهَا تَرَكَتْهَا هُنَا وَهُنَاك... لَكِنَّ القَلَمَ قَدْ شَلَّهُ الصَّمْت... لَا يُرِيدُ هَذَا العَاصِي أَنْ يَنْظِمَ أَيُّ شَيْء... يَكْتَفِي بِالارْتِمَاءِ فِي أَحْضَانِ الوَرَق... يُمْسِكُ عَنْهَا حِبْرَهُ بِنَزَقٍ وَعِنْدٍ شَدِيد...وَكَأَنَّهُ يَقُولُ لَهَا أَتْعَبَنِي كَثِيرُ مَا بكِ!


تَتْرِكُ القَلَمَ لِحَالِهِ... تَتْرِكْهُ بِسَلَام... وَتَعُودُ لِدَوَاخِلِهَا... لِيَتَصَارَعَا مَعَاً، وَالصَّمْتُ وَاقِفٌ عَلَى بَابِ الجَسَدِ أَرْضُ الوَغَى، يُنَاظِرُ المَعْرَكَةَ المُحْتَدِمَةَ، وَيَنْتَظِرُ أَنْ تَصِلَ العَاصِفَةَ أَوْجَهَا... لَا يُحَاوِلُ الصَّمْتَ اعْتِرَاضَ العِرَاك... لَا يَتَدَخَّل... هُوَ فَقَطْ يَرْقَبُ المَعْرَكَةَ بِهُدُوِئِهِ المُعْتَاد، مُدْرِكَاً أَنَّ مَنْ يَقِفَ فِي وَجْهِ العَاصِفَةِ، لَا يَنْجُو!


يَرْقَب... يَنْتَظِرُ أَنْ تَتْعَبَ العَاصِفَة فَتَسْقُطُ أَرْضَاً... تُسَلِّمُ أَوْ تَسْتَسْلِم... فَيُخْرِجُ مِنَ البَقَايَا مَا نَجَى، لِيَرْوِيَ قِصَّتَهُ وَحَكَايَا مَا فَقَدَ مِنْ بَعْضِهِ فِي مَخَاضِهِ قَبْلَ الوِلَادَةِ... أَوْ بَعْدَ المَوْت!






149 views1 comment

Recent Posts

See All
Post: Blog2_Post
bottom of page