top of page
Search
  • Writer's pictureSaba Almubaslat

عَبَثِيَّة العَارفِيِن

ضجيج من يُلقِّبون أنفسهم بالعارفين والعالمين يملأ المكان والزمان. من كثرة الضجيج، يُهيَّأ لمن يدركون أنَّهم ليسوا عارفين بُعدهم الساحق عن المعرفة... يحاولون جاهدين أن يُنصِتوا... أن يَفْصِلوا الأصوات بعضها عن بعض، علَّهم يلتقطون صوتاً واحداً فقط... صوتاً تُمسكه كَمَن يُمسك خيط نجاةٍ يتلقَّفه من السُّقوط في الجهل! إن فَلَحوا فأَمْسَكوا بواحد، أي واحد، يتنفَّسون للحظةٍ مُحتَفِيين ببداية النَّجاة. لكن ما أَنْ يمسكوا به لِيصعَدوا به إلى السطح، حتَّى يَهوِي بهم الخيط وخفيف ما وراءه من صاحب صوتٍ لقاعٍ لا قرار له! يدركون وهو يسقطون أن ما وراء الصَّوت ليس إلَّا كيانٌ فارغ، يَجزم بمعرفته وملاءة جعبته بالمنطق والحكمة والحقيقة وما هو إلا بثقل طبلٍ فارغ! كم يضجُّ الفضاء بأشباه العارفين!


ما الحل؟ أهو التشكيك بكلِّ شيءٍ وكلِّ أحد؟ أهو محاولة فصل كل الأصوات، والاستماع لها كل منفصلة على حدى؟ لكن الضَّجيج مقيت، وكأنَّه متعمَّد جدا ومصممٌ بأن يبقى ضجيجاً، أحمقاً، متسارعاً، متغيراً، لا يترك بين الكلمات مكاناً لالتقاط نفَس! ما الحل؟! أكاد أجزم أنَّه الخروج من الضَّجيج إلى الخارج... الانفصال إلى حيث لا يعيش أشباه العارفين... الابتعاد مدَّ الذراع وبعض عمر عن مساحات التناطح المعرفي، والنَّظر إليها من الخارج... هذه الأصوات العالية المتعالية تضخَّمت أناها لدرجةٍ تحوَّلت معها لشيءٍ مرئيٍ ملموس... تقَّمص الصَّوتُ صَاحِبَه، فتجسَّد على هيأْته... تكاد تراه يلبس فاره الثِّياب لِيبدو أكثر ثراءً ممَّا هو عليه، ويتقن حركة في الفم يكرِّرها كَمَن يحاول مضْغ الحروف لتُخرِج كلماتٍ أكثر عمقاً، ويتَّكئ بجبهته على أطراف أصابعه في محاولةٍ لِيَسند هذا الرَّأس المُثقَل بالمعرفة والذي تعجز رقبته أن تبقيه متمركزاً بين كتفيه المحمَّلتين بكتب وأسفار كلَّ من سبقوا وكل من سيأتوا من بعده! حقيقة الأمر أن الثِّياب صورة مقلدة، وحركة الفم ناتجة عن امتلاء جوفه بالهواء وتعذُّره عن التجشُّؤ، أما الجبهة فلا بد أن تُسند لأن فراغ ما وراءها قد يسبِّب سقوط الرَّأس بين الكتفين... والكتفين لم يحملا يوماً أكثر من سترته المقلَّدة وبعض ملخَّصات كتب جيب لم تعدو أن تكون أعمق من 'ميكي جيب' !!!


إن استوعبتَ حقيقة من يقف وراء أو داخل الصوت، تدرك ألَّا خيوط يمكنك تلقُّفها للنجاة من ضجيج جنون المُدَّعيين. ما عليك إلَّا إيجاد المخرج من حيث حُوصرت إلى فسحة الصمت العاقل. فيه قد تجد متَّسعاً من الإدراك لتعلم أنَّك لا تعلم، ولتبحث بتواضعٍ واثقٍ عما يستحقَّ أن تعرفه ومن يستحقَّ أن تعرف منه و عنه!


قليلٌ من الصمت... مزيد من الإصغاء الفاهم، وبعض تواضع! رَحِم الله أمواتكم وأطال في عمر أحياءكم!!




54 views0 comments

Recent Posts

See All
Post: Blog2_Post
bottom of page