top of page
Search
  • Writer's pictureSaba Almubaslat

ورقة شجر

Updated: Apr 11, 2023


كما كلّ أوراق الشَّجر، هي الأُخرى انْفصَلَتْ رويداً رويداً عن الغصن الذي كان مسكناً، حتى سَقَطَت! راقَبْتُها لفترةٍ طويلةٍ، وهي تَهَب اخضرارها إلى حيث التَصَقَتْ لوقتٍ طويلٍ لا تَذكُرْه هي، ولا أَذكره أنا. كان الاصفرار يتسلَّل إليها بصمتٍ وهدوء... لم تُقاوم... اسْتَقْبَلَت تَبَدُّل الألوان والأحوال بهدوءٍ ورضا... كان اللونان يتمدَّد أحدهما على مساحة الآخر كما الَّليل يَزحف فوق وجه بقايا ضوء يومٍ اشتدَّتْ شمسه فظنَّت أنَّها لنْ تَغيب... لكنَّ الغياب هو ما يَأْذَن للحضور بأن يكون. سَقَطَت!


سقطَت أرضاً دون أيِّ مقاومة... باستسلامٍ وديع... كَمَنْ يُرحِّب بالنِّهاية بسلامٍ كامل. قد تكون أَدرَكَت أنَّ المقاومة لا تُجدي نفعاً، أو علهَّا تَعِبَة من كَثرة ما قاومت تعاقُب الفصول وتقلُّب اللَّيل والنَّهار، فاخْتَارتْ أن تكفَّ عن تعب الحياة لتَنعم بسلام الموت! وهي تسقط، كنتُ أُناظرها تؤدِّي رقصة التحرُّر... تترنحُّ برقةٍ ورشاقةٍ متناهيتين، ذات اليمين وذات الشمال... وكأنَّها تُراقِص الفضاء الفاصل بين حيث كانت وحيث ستكون... تَرقصُ بحرِّيَّةٍ للمرَّة الأولى... هي ليست امتداداً لِشيء.. لا شيء يمسك بها... لا تمسك بشيء... كلُّ ما عَرِفَتْ من حرِّيَّة هي هذه الرَّقصة الأولى والتي قد تكون الأخيرة... تَابعَتْ بخطواتٍ رشيقةٍ الرَّقص حتَّى انَحنَت حيث المستقرِّ معلنة انتهاء الرَّقص ووداع الحرية... وما أنْ لامَسَت الأرض حتَّى هَدَأَت... حَفِيفها الهامس كان كزفرة النَّفس الأخير... أَخَذَت موضعها واستقرَّت... كأنَّها ترتاح بعد طويل عمر قَصُر، فاستقبل نهايته ليرقد حيث ترقد الأوراق بعد أن تكون قد أدَّت ما عليها...


اقترَبْتُ منها... انحنيتُ إلى جانبها... لم تَتَحَرَّك... قابِلةً وادعةً تتحضَّر لأن تبدأ نهايتها بجلال... أراها وهي تستلقي تنتظر أنْ تَجِفَّ لِتَخِفَّ، علَّ ريح أو حتى خفيف نسيم يحملها معه إلى حيث يُسافر المُتَخَفِّفُون من ثِقَل الحياة! هل تُراها ستَتَخَفَّف بما يكفي ليأتي من الرحيل ما يحملها إلى مكان جديد؟ هل سيمرُّ النسيم بها؟ هل فيما تبقى من قصير الوقت ما يعدها برحلةٍ أخيرةٍ قبل أن تتحَّلل من كيانها إلى الأبد!


أُتابع النَّظر إليها... هي مكانها... تعلم أن ما يسقط من الورق لا يحيا من جديد، لكنَّها تُؤمن أنَّ ما تبقَّى منها سَيَهَب لما سيأتي قليلاً من بعضها ليُشرق حياة. هي مكانها... ليس لديها ما تأمل، إلا رحلة أخيرة، وبقايا عمر، قبل أن تذوب في دائرة الوجود العجائبية... تقبع حيث هي... تَبْلَى رويداً رويداً... على مهل... دون تعجُّل... أقصى أمانيها أن تَجِفَّ لِتَخِفَّ وتَتَخَفَّف من أثقالها... أقصى أمانيها قليلٌ من نسيمٍ يقوى على حملها في رحلةٍ أخيرةٍ قبل النهاية... وإن لم يكن، فلتكن النهاية... فما هي إلَّا ورقة... ورقة شجرٍ فحسب!



43 views0 comments

Recent Posts

See All
Post: Blog2_Post
bottom of page