top of page
Search
  • Writer's pictureSaba Almubaslat

وصفة سريعة للقضاء على الألم

Updated: Apr 11, 2023

تطوف تحلق تعلو وتهبط، دون أدنى شعورٍ بجاذبيةٍ أو انعدام جاذبية... تَهِيم هي خارج حدود الجسد المكَبِّل لها... في البداية تبقى قريبةً شيئاً ما... لا تبتعد عنه كثيراً... وكأنَّها تخشى إنْ فَعَلَتْ، ألَّا تعود تجده وسط موج الأجساد التي هجَرتْها أرواحها... كل الأجساد المتحرِّكة من حولها تبدو وكأنها مهجورةً من كلِّ ما يجعلها إنسانيَّة... فَزِعَت منها الملامح والمشاعر والضمائر والأرواح فهَجَرَتْها... تركتها خاويةً كأيٍّ وعاءٍ بالٍ خالٍ من المضمون...


تنظر إليهم كما النسر من عَلِيٍّ فلا تعرفهم... كم هم تعبون هؤلاء البشريُّون الخَاوون من كلِّ شيء! تُناظِرهم بشفقةٍ وخجلٍ وبقايا فضول... تحاول أن تستوعب لما هم مُسرعون كلّ الوقت، يصطدمون بعضهم ببعض وبالطَّريق والشَّجر والحجر دون تمهُّل للاعتذار... تُرى ما الَّذي ألمَّ بهم؟ متى فقدوا قدرتهم على قراءة ملامح بعضهم بعضا؟ كيف استقامت أمورهم دون أنْ يميِّزوا الصِّراط المستقيم من عَوَج الطريق؟ كيف لا يعتذرون لتراب الأرض وما هو إلا بقايا من مروُّا من هنا قبلهم؟ لما لم يعودوا يتلمَّسون الألم في عيون من يمرُّون بهم ومن يجلسون إليهم ومن يُطِلُّون عليهم من البعيد؟ كم صرنا قُساة!


كأنَّه لا زلزال هناك يجعلنا نتلمَّس الإنسانية فينا... كأنَّه لا حصار هناك يَنخَزنا ما يكفي لنهُبَّ محاولين كسره أو نموت دونه... كأنه لا ظلم يلقي بالكلمة والفكرة والأمل خلف قضبان القهر... كأنَّه لا إجرام يتم قوننته بيد من حملوا السَّيف عُنوة فوق الرِّقاب لِكَسْر الحريَّة في أنْفُس الأعزَّاء انتصارا للذُّل والأذلَّاء... ما عادت أعيننا ترى الجوع في أفواه السَّائرين السَّاعين للرِّزق على الطَّريق دون وصول، والبرد في ثنايا من التحفوا الفَقْدَ والَّليل وبرد العراء... ما عادت أعيننا ترى جراح المحاربين للكرامة وهي تنزف آخر رمقٍ من كرامةٍ تبقَّتْ لنا لنحيا أحراراً... كلُّ هذا وأكثر ما عاد يستفزنا بما يكفي لِنَقْتَسِم رغيف خبزٍ وغطاءً من حبٍّ ومعولاً نضرب فيه الأرض قبل نَثْر بذورٍ قد تطرح وطناً إنْ كان في الأرض ما يكفي من كرامةٍ لتُنْبِت من رَحِمِ اليوم "غدا" نعيشه!


نمضي أجساد خاوية، وكأنَّ ما حدث ويحدث لهم لن يحدث لنا... هم هناك بعيدون في أرض أخرى... في بلد آخر... في حيٍّ فقيرٍ، لا يشبه أين نحن! هم هناك بعيدون، تطلُّ علينا بقاياهم عبر شاشةٍ صماء لتلفازٍ ذكيٍّ أو محمولٍ ذكيٍّ، تحمله يدٌ تخرج من جسدٍ لبشريٍّ خاوٍ غبيّ! كلُّ ما علينا هو أنْ نغيِّر الموجة أو نحرِّك الشَّاشة لأعلى أو لأسفل... فيخْتَفون!! لسنا مضطرُّون أن نتألَّم بعد اليوم!!! فلا أرواح لأجسادنا الخاوية ولا ضمائر تصرخ فينا من دواخلنا... كل ما علينا هو أن نُصْمِت أصوات البكاء والعويل، أو نُبْدِلها بغناءٍ صاخبٍ فرح... أو نرفع نوافذ السَّيارات الفارهة المُعَتَّمة... أو نرفع الأسوار حول فَارِهِ عيْشنا فلا نرى كلَّ ما يحدث هناك... هناك عندها يختفي... يتلاشى يبقى هناك...


بئس العيش عيش ذليلٍ أخرسٍ خاوٍ يعتقد أنّه سيّد في مساحات الذّل والأذلّاء! لا يلد الذّل أسياداً... لا يلد العبيد أحراراً!




161 views0 comments

Recent Posts

See All
Post: Blog2_Post
bottom of page