top of page
Search
  • Writer's pictureSaba Almubaslat

إِتْقَانُ المُسْتَحِيل

قالوا أنّه مستحيل... الأضداد لا تلتقي ولا تكون في آن معاً! حقاً؟! ليسَ لكَ إلّا أن تَعْجَب لِأَمر هؤلاء، فكلّ ما يستلزمه الأمر هو قليلٌ من الصّدق بِحَقّ مع الذّات. كلّ مِنّا هو مثال حيّ على اجتماع كل الأضداد في آنٍ معاً...


نعيش في عالمين بوجهين ذات الوقت كل الوقت! وجهٌ نُطِلّ به على العالم يزيّنه ادعاء الفضيلة والانتصار للعدل والدّعوة للصّلاح والإصلاح ولزوم ما يجب لزومه... وجهٌ يجعل من الطاغية بيننا داعٍ للحقّ مُدافع عنه، ومن آكِل مال النّاس بغير حقٍ، فاعل خيرٍ تعلم يداه وكل العالم حوله وبعده كَمْ هو فاعل خير... وجه يجعل كل واحد ينطق جواهر من صفيحٍ في العالم الافتراضي وما وراءه، فيوعظ بما يجب أن يُقال ويؤشّر بِبَنَانِه الافتراضيّة في وجوهٍ افتراضيّة على الخطّائين المُخطئين والفاسدين المُفسدين والناطقين بالعلم عن جهالة وغيره الكثير...


أما الوجه الآخر فهو ذاك المختبئ وراء زِيف المَدَنِيّة... وراء البدلة وغالي القماش والذي في أغلب الأحيان ما يكون مُقَلّداً هو الآخر! ذاك الوجه لذات الشّخص الذي يجعل من كل قبيح جميل مُباح، تارة بحجّة الانتصار للنفس المهزومة وتارة أخرى باسم الفهلوة.. هو ذاك الوجه الذي يتمنّى ما ليس له، ويُجَرّد من أمامه من إنسانيّتهم ليُصبحَ قَتْلهم فِعلاً أو فِكراً أو حتّى تخيّلاً ممكنا مباحاً، لا بل واجباً تمليه الضمائر المشوّهة. الوجه القبيح يمتعض إذا ما ابتُلي ولا يفرح إن نال أحدهم أكثر ولو بقليل ويحلم في اليقظة والنوم بكل أشكال الرذيلة.


كم صِرنا نُتقِنُ فَنّ التناقض حتى اتّسَقْنا في تناقُضِنا!! أصبحنا على قناعةٍ أن كَذِبَنا صدق، وأنّ صدقَ قُبْحِنا لا يتناقض مع كَذِبِ فضيلتنا التي ندّعِي! مشكلتنا ليست في إمكانية وجود الشيء ونقيضه معا في ذات الوقت كل الوقت... المشكلة الحقيقية تَكمن في أنّا أتقنّا فنّ تزييف كل شيء من ملابسنا وصولا لقيمنا حتى اتّسق الشيء وضِدّه فتساوت كل المتناقضات. أصبح الكذب والصدق واحد... الجمال والقبح واحد... الفضيلة والرذيلة واحد... وكما يقول صديق لي، الذهب والفالصو واحد! نحن أتقنّا إقناع المتناقضات ألاّ فرق بينها "فصرناها" كلها... نحن فعلنا ما اعتُقِد مستحيلاً... شوّهنا كل شيء وضِدّه بالقدر اللازم والكافي حتى تماهيا، فباتَ لا يعرف الواحد منهما حاله من الآخر! المشكلة الحقيقية تكمن في صِفْرِيّة مبادئنا وفي قدرتنا غير المحدودة على الاتساق مع النقائض لدرجة أصبح معها حتّى التيه يعتقد جازِمَاً أنه طريق يُوصِلُ لمكان محدد!!!


125 views0 comments

Recent Posts

See All
Post: Blog2_Post
bottom of page