top of page
Search
  • Writer's pictureSaba Almubaslat

رسائل آخر البشر


"كيفك يمّا يا حبيبي؟ إن شالله بتنام امنيح بالليل؟ بعرف إنّه بيتك جنب محطّة قطار، وإنّه كل ما مرّ من جنب بيتك بالليل بصحّيك. إن شالله يكون عندكم أكل؟ اسمعت الغلا مش مخليكم تعرفوا تشتروا الأكل بوفرة هاليومين. يمّا إشتري شمع... بقولوا الكهربا عندكم راح تقطع عشان فِش بترول!! يمّا تحكيش عنّا... لا تكتب عن اللّي بصير فينا... بلاش يرفضوك من الجامعة... ركّز يمّا على دراستك... لا تخاف علينا... إحنا بخير... صامدين... واللي من الله حيّاه الله.

إمك!


وعلى نفس الرسالة كتبت أخته له فقالت:

"يا أحمد، لا تلق بالاً... نحن بخير! لا زلنا هنا صامدون... نقاوم لتنبت الشمس من أرضنا كل صباح... نحارب ليطرح الزيتون أملاً من ترابنا... بيتنا لازال واقفاً. في الأمس سقطت قذيفة من السماء فوق بيت أبو صلاح جارنا... رأيت صلاح يغادر... سقطت ذراعه ولم يلتقطها! لم ينج الباقون... خرجنا نحاول البحث عن بقيَّتهم وبقاياهم... صلاح أصرّ أن نترك الأمر على حاله. هو مؤمن أنّ أشلاء أطفاله الثلاث وزوجته وأمّه وأبيه، ستطرح دحنوناً وشعباً... قال... بعد أن تقبلهم الأرض قرابيناً، سيصفّ الحجارة ضريحاً للإنسانية التي فارقت الأرض بحكم القوة والقانون.


لا تخف يا أخي... نحن لا زلنا هنا... أحياء وبخير. أكمل دراستك وعد إن استطعت. البلد بدها تنبنى من جديد"

أختك المحبّة خديجة!


استلم أحمد الرسالة... قرأها وكأنها آخر الكلام وكلّه... بكى بحرقةِ غريبٍ في أرضٍ غريبة... بلّل قلمه بالدّمع ليردّ على ما جاءه فقال:

"يا أمي... يا خديجة... أنا مكسور مقهور... ينقصني حضنكما وضحكات الصّغار... ينقصني بعضاً ممّا لديكم من حرّيّة وكرامة... ينقصني رحابة الأرض المحاصرة، وأنا أمكث كالفأر المذعور في فضاء لا ينتهي، لكنّه يمنعني حتى من الكلام...

أمّي... الأكل هنا وفير، لكنّه بلا طعم... والقطارات صارت تمرّ بداري بصمت، وكأنّها تعلم أنّي ما عدت أنام وأنا أشاهد التّلفاز، أحاول تبيّن المنازل وأصحابها من خلف الدخان والرّكام...

أمّي... وضعوا على جبيني علامة... سُمرتي تهمة... إسمي تهمة... هويّتي تهمة... كلها تبيح دمي إن خرج الصّوت فقال آه... يقولون أنّها لن تُمحى حتّى أعترف بهم، وأنسى منْ أنا... سأعبئ بنادقهم بصرخاتي ليصوبوها رصاصاً إليه... فأنا لن أكون يوماً إلّا من هناك... سأراكما قريباً"


ؤضع الرسالة في ظرفٍ لتذهب إلى مبتغاها... لكنها لم تجد مكتب بريد ولا ساعٍ ولا عنوان... كلّهم مسحتهم ديمقراطية الزّيف... لم يبق إلّآ الإنسان... ذاك الذي لا يغادر... ذاك الذي لا ينتهي... ذاك الذي ينبت من الأرض... يخرج من الصّخر والبيدر... ذاك الذي يُصرّ أن يبقى غصباً عن الظلم والقهر والقتل... هو باقٍ "ما بقِي الدحنون والزعتر".




174 views0 comments

Recent Posts

See All
Post: Blog2_Post
bottom of page