top of page
Search
  • Writer's pictureSaba Almubaslat

شَرْقٌ غَابَتْ شَمْسُهُ

Updated: Feb 4, 2023


وَقَفَتْ على أَعْتَابِ الحَياةِ، شَامِخةً رغْمَ جِرَاحَاتهَا، مُنْتَصِبةً رغْمَ انْكِسارَاتِهَا، عَازمةً أَمْرهَا على المَسِيرِ رُغمَ القُيُود! تَنْظُرُ إلى هَذَا الشَّرق الَّذي جُرِّدَ مِنْ جَمَالِه، بَعْد أَنْ كان مَنْ يَنْفِثُ بُخُوراً ويَنْسجُ حَرِيراً ويَغْزلُ شِعْراً في حُبِّها وكُحلِ عَيْنَيهَا، ورَجَاحَة عقْلهَا، وخُصُوبَتهَا وغَنَجِهَا وتَمَايُل الخَصْرِ ورنَّة الخُلْخَال إِنْ دَكَّتْ قَدمَاهَا الأَرضَ وهي تَهِمُّ لِفَتْحِها!


تَنْظرُ إلَى هَذَا الشَّرق مُشْفِقَةً على اسْوِدَادِهِ على الرُّغْم مِنْ أنَّهُ لَهُ شَمسٌ تُشْرقُ حَارِقةً وَاضِحةً مُحَدِّقَةً بِعينِ الأَرضِ كَلَّ أيَّامِ السَّنَة! تُزيلُ مَا لفَّهَا هو بِهِ مِنْ سَوادِهِ المَفْروضِ جَبْراً... تُحرِّكُ رَأْسَها بِتُؤَدَةٍ ذَاتَ اليمِينِ وذَاتَ الشِّمَال... تُحاولُ تَحْرِيرَ شَعْرَهَا مِنْ جَبْرِ الجَدِيلَة، علَّه يَعودُ فَينْثِرُ الشِّعْر فَوقَ أَرضِ الشَّرقِ البُورِ ثَورَة...تَفِكُّ إِزْرَهَا، عَلَّ الجِنَانَ في ثَنَاياهَا تَقْطِر على جَفافِ صَحرَائِهِ لِينَاً... تَكْسرُ قَيدَ اليَدينِ وتَتَلَمَّس مِعْصَمَيْها بِأَنَامِلهَا وكَأنَّهَا تُمَسِّدْهُما لِيعودَ الدَّم فَيَسْرِي فِيمَا جَفَّ مِنْ عُروق... تُمَسِّدْهُمَا لِتُحَرِّرَ أُنُوثَتَهَا فَتَفِيضُ بِمَا مَلَأَها مِنْ أُمومَةٍ عَلى جَلَفِ حَياةِ هذا الشَّرْق.


أَنظُرُ إلَيهَا وهِيَ تَسْرَحُ بِبصَرِهَا إِلى حَيْثُ يَمْتَدّ... تُحاوِل أَنْ تَبْحَثَ بَينَ دِجْلَةَ والنِّيل عَنْ زَوايَا أوَتْ إِلَيهَا الأُنوثَة والمَحبَّة، أو مَا نَجَى مِنْها، لِيعُودا فَيجْتَمِعا ويَتوحَّدَا لِيُحرِّكَا شَاعِراً هنَاكَ أو ثَوْرةً هُنا، نُصْرَةً لِملهوفٍ في مَضَاربَ "بَنِي شَرَف"! ارْتَدَّ بَصرهَا إِليْهَا حَزِيناً فَما بَقِيَ بَينَ النَّهْرِ والنَّهْر إِلَّا فَظَاظَة قَلبٍ وكَسْراً لِكلِّ تَاءٍ مَربوطَة... لَمْ يبقَ بيْنَ النَّهرِ والنَّهرِ إِلَّا أَشَبَاه بَشَرٍ، نَسَوا أو تَنَاسوا اتِّساعَ الشَّرَف فَاخْتَزَلُوهُ في جَسدهَا فَكبَّلوُه، وشَعْرهَا فَقَصُّوه، وشِعْرهَا فَحَرَّفُوه وحَرَّمُوه!


يا شَرقاً جَفَّتْ فِيهِ مَنابعَ الحُبّ، بَعدَ أنْ وَأَدْتَ كلّ نِساءَك، لَنْ يُحرِّرْكَ كَمُّ الكُرهِ الذِي بَاتَ يَجري في أَراضِيكَ أَنهارَاً، كَما السُّم في جَسدِ السَّقيم... يا شرقاً باتَ يَخشَى المُذكَّرُ فِيهِ رَقِيقَ الحَنينِ، خوْفاً مِنْ أَنْ يَلِينَ فَيَشْعُرَ ويَبْكِي إِنْ مَسَّهُ حُزْن... أيُّها الشَّرقُ، لَنْ تقُومَ لكَ قَائمةً حتَّى تَعُودَ فَتُقدِّسَ المُؤنَّثَ فِيك...


يا مريم، لمْ يَعُدْ مِنْ نَخْلٍ يُهَز! لقدْ قَطَعَ الأَشَاوِسُ في مَهْدِكِ كلّ النَّخيلِ خَوفَاً مِنْ تَحَلُّقِ النِّساَء حَوْلَ عَينِ المَاءِ تَحْتَ فَيْئِه، يَجمعْنَ المَاءَ في أَكُفِّهِن... خافَ الأشاوسُ أَنْ يَغْوِي حلْمُ الارْتِواءِ رِجالاً عَطْشَى فَيشرَبُونَ ويرْتَون فيَرِقُّون!!!


لا تَعودِي إِليهِمْ أيَّتُهَا الوَاقِفةُ على المَضَارِب... أدِيِريِ ظَهْرَكِ وتَابعِي المَسِير... ليسَ فِيهمْ مِنْ مُنْتَصِرٍ لِيَحْتفلَ بجمَالِك، فالقَبِيحُونَ يخْشوْنَ الجَمَال، وعَبِيد الذُّلِّ لا ينْتَصِرونَ أبَداً للْحرِّيَّة... إرْمِ القيْدَ هَاهُنَا... سِيرِي وابْتَعدِي... شكِّلِي مِنْ لَدُنْكِ أطفالَ حياةٍ أحراراً... أَطفالاً لا يُحْكَمُ عَلِيْهم بِالانْكِسارِ منذُ الوِلَادَة... عُودِي بِهِمْ إذا ما اشْتدَّ عُودَهُم، مُسلَّحينَ بالجَمَال... مُكَلَّلِينَ بِالحُبِّ وبَأيدِيهِم قَبْضةٌ مِنْ إِرادَةٍ وبعضَ وَردٍ وَمِنْجَل! عُودِي بهِمْ لِيُحرِّرُوا الذَّلِيلِينَ مِنْ أَسْرِ القبْحِ، ولِيَنْثُرُوا في وَجْهِ الشَّمسِ بُذورهم، علَّ الحبَّ يعودُ فَيُزْهِر في شرْقِكَ أَمَلاً، وعلَّ الزَّهْرَ يَتَفتَّح فِي جِبَاهِ النِّساءِ بَعدَ طُول "تَحْريمٍ"، فَلا خيْرَ في عَبيدٍ يَلِدُونَ عَبِيدَاً، ولَا في قَوْمٍ يَتَطَهَّرُونَ مِنْ ذَنْبِ الوُجودِ فقَطْ عِندمَا يُشوِّهونَ جَسدَ المُؤنَّثِ بَيْنَهُم!



149 views1 comment

Recent Posts

See All
Post: Blog2_Post
bottom of page